سورة التوبة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله عز وجل {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} أما النسيء في الأشهر فهو تأخيرها، مأخوذ من بيع النسيئة، ومنه قوله تعالى {مَا نَنسَخُ مِنْ ءَايَةٍ أَوْنُنسِهَا} أي نؤخرها.
وفي نَسْء الأشهر قولان.
أحدهما: أنهم كانوا يؤخرون السنة أحد عشر يوماً حتى يجعلوا المحرم صفراً، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم كانوا يؤخرون الحج في كل سنتين شهراً.
قال مجاهد: فحج المسلمون في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين: ثم حجوا في صفر عامين، ثم في ذي القعدة عامين الثاني منهما حجة أبي بكر قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة فذلك حين يقول: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» وكان المنادى بالنسيء في الموسم: من بني كنانة على ما حكاه أبو عبيدة، وقال شاعرهم عمير بن قيس:
ألسنا الناسئين على مَعَدٍّ *** شهور الحل نجعلُها حَراماً
واختلف في أول من نسأ الشهور منهم، فقال الزبير بن بكار: أول من نسأ الشهور نعيم بن ثعلبة بن الحارث ابن مالك بن كنانة.
وقال أيوب بن عمر الغفاري: أول من نسأ الشهور القَلمّس الأكبر وهو عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، وآخر من نسأ الشهور أبو ثمامة جنادة بن عوف إلى أن نزل هذا التحريم سنة عشر وكان ينادي إني أنسأ الشهور في كل عام، ألا أن أبا ثمامة لا يجاب ولا يعاب، فحرم الله سبحانه بهذه الآية النسيء وجعله زيادة في الكفر.
ثم قال تعالى {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} أي ليوافقوا فحرموا أربعة أشهر كما حرم الله تعالى أربعة أشهر.
{زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أن الله تعالى زينها بالشهرة لها والعلامة المميزة بها لتجتنب.
الثاني: أن أنفسهم والشيطان زين لهم ذلك بالتحسين والترغيب ليواقعوها، وهو معنى قول الحسن.
وفي {سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} ها هنا وجهان:
أحدهما: أنه ما قدمه من إحلالهم ما حرم الله تعالى وتحريمهم ما أحله الله.
الثاني: أنه الرياء، قاله جعفر بن محمد.


قوله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلتُمْ إِلَى الأَرْضِ} قال الحسن ومجاهد: دُعوا إلى غزوة تبوك فتثاقلوا فنزل ذلك فيهم.
وفي قوله {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} ثلاثة أوجه:
أحدها: إلى الإقامة بأرضكم ووطنكم.
والثاني: إلى الأرض حين أخرجت الثمر والزرع. قال مجاهد: دعوا إلى ذلك أيام إدراك النخل ومحبة القعود في الظل.
الثالث: اطمأننتم إلى الدنيا، فسماها أرضاً لأنها فيها، وهذا قول الضحاك.
وقد بينه قوله تعالى {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الأَخَرَةِ} يعني بمنافع الدنيا بدلاً من ثواب الآخرة.
والفرق بين الرضا والإرادة أن الرضا لما مضى، والإرادة لما يأتي.
{فَمَا مَتَاعُ الَْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الأخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} لانقطاع هذا ودوام ذاك.
قوله عز وجل {إِلاَّ تَنفِرُواْ} يعني في الجهاد.
{يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} قال ابن عباس: احتباس القطر عنهم هو العذاب الأليم الذي أوعدتم ويحتمل أن يريد بالعذاب الأليم أن يظفر بهم أعداؤهم.
{وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} يعني ممن ينفر إذا دُعي ويجيب إذا أُمر.
{وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً} فيه وجهان:
أحدهما: ولا تضروا الله بترك النفير، قاله الحسن.
والثاني: ولا تضرّوا الرسول، لما تكفل الله تعالى به من نصرته، قاله الزجاج.


قوله تعالى {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} يعني إلا تنصروا أيها الناس النبي صلى الله عليه وسلم بالنفير معه وذلك حين استنفرهم إلى تبوك فتقاعدوا فقد نصره الله.
{إِذْ أَخَرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني من مكة ولم يكن معه من يحامي عنه ويمنع منه إلا الله تعالى، ليعلمهم بذلك أن نصره نبيه ليس بهم فيضره انقطاعهم وقعودهم، وإنما هو من قبل الله تعالى فلم يضره قعودهم عنه.
وفي قوله {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} وجهان:
أحدهما: بإرشاده إلى الهجرة حتى أغناه عن معونتهم.
والثاني: بما تكفل به من إمداده بملائكته.
{ثَانِيَ اثْنَيْنِ} أي أحد اثنين، وللعرب في هذ مذهب أن تقول خامس خمسة أي أحد خمسة.
{إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر حين خرجا من مكة دخلا غاراً في جبل ثور ليخفيا على من خرج من قريش في طلبهم.
والغار عمق في الجبل يدخل إليه.
قال مجاهد: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار مع أبي بكر ثلاثاً.
قال الحسن: جعل الله على باب الغار ثمامة وهي شجرة صغيرة، وقال غيره: ألهمت العنكبوت فنسجت على باب الغار.
وذهب بعض المتعمقة في غوامض المعاني إلى أن قوله تعالى {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} أي في غيرة على ما كانوا يرونه من ظهور الكفر فغار على دين ربه. وهو خلاف ما عليه الجمهور.
{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبهِ لاَ تَحْزَنْ} يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصاحبة أبي بكر «لا تَحْزَنْ» فاحتمل قوله ذلك له وجهين:
أحدهما: أن يكون تبشيراً لأبي بكر بالنصر من غير أن يظهر منه حزن.
والثاني: أن يكون قد ظهر منه حزن فقال له ذلك تخفيفاً وتسلية. وليس الحزن خوفاً وإنما هو تألم القلب بما تخيله من ضعف الدين بعد الرسول فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» أي ناصرنا على أعدائنا.
{فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} فيها قولان:
أحدهما: على النبي صلى الله عليه وسلم، قاله الزجاج.
والثاني: على أبي بكر لأن الله قد أعلم نبيه بالنصر.
وفي السكينة أربعة أقاويل:
أحدها: أنها الرحمة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنها الطمأنينة، قاله الضحاك.
والثالث: الوقار، قاله قتادة.
والرابع: أنها شيء يسكن الله به قلوبهم، قاله الحسن وعطاء.
{وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} فيه وجهان:
أحدهما: بالملائكة.
والثاني: بالثقة بوعده واليقين بنصره.
وفي تأييده وجهان:
أحدهما: إخفاء أثره في الغار حين طلب.
والثاني: المنع من التعرض له حين هاجر.
{وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ الْسُّفْلَى} يحتمل وجهين:
أحدهما: بانقطاع الحجة.
والثاني: جعل كلمة الذين كفروا السفلى بذُلّ الخوف، وكلمة الله هي العليا بعز الظفر.
{وَكَلِمَةُ اللهِ هيَ العُلْيَا} بظهور الحجة.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10